إلى الباحثين عن عثرات الآخرين

وقف الإمام الكسائي صاحب القراءة الصحيحة المشهورة المتواترة إماماً في ذلك اليوم،

وكان خلفه ضمن المصلين خليفة المسلمين أمير المؤمنين
هارون الرشيد،

وكان الخليفة الرشيد ضليعاً متمكناً في اللغة ولهجات القبائل واختلافات كلامها،

إلا أنه لم يستطع الاعتراض أو رد الإمام الكسائي حين سمع عجباً
في القراءة،

إذ قرأ الإمام الكسائي في قوله تعالى: {لعلهم يرجعين} !!!

إلا أنه وبعد الصلاة دنا منه ليسأله قائلاً:

يا إمام، {يرجعين} بأي لغات العرب هي ؟؟

فهمس الإمام الكسائي في أذنه: {يرجعين} ليست من لغات العرب،
وإنما {قد يعثر الجواد}،

إلى هنا والأمر عادي وكلنا نعثر،

وما من إنسان لا يخطىء في التلاوة ولو كان إماماً، و...

وإنما خطأ الإمام الكسائي وعثرته لم تكن في قلبه كلمة {يرجعون} إلى {يرجعين} هذه،

ويحدثنا بنفسه عن مكمن عثرته الحقة، فيقول:

كنت في صلاتي فأعجبتني قراءتي فلحنت !!

وسوست له نفسه في صلاته وزينت له قراءته فأعجبته فكان أن عوقب تواً
باللحن في الكلام وإبدال الأحرف ليأتي بكلمة لا وجود لها في اللغة العربية
أصلاً،

الإمام الكسائي صاحب الرواية المتواترة في القرآن الكريم يعثر،
وأين ومتى ؟؟
وهو بين يدي الله العزيز الجبار في صلاته !!

ترى هل أنقص هذا من قدر تلاوته أو قلبها من خانة الصواب إلى خانة الخطأ ؟؟
لا بل هل أنقص هذا من قدر الإمام الكسائي ذات نفسه ؟؟

إلى من تنظر إلى الآخرين وكأنهم معصومون من الخطأ،
فلئن عثروا أسرعت تمشي بعثراتهم وتتحدث بها وتخبر الناس عنها،
هلا وقفت مع نفسك قليلاً قبل أن تفعل هذا !!

هلا وقفت مع نفسك قليلاً لتتفكر وتتدبر وتتذكر،
أن من كان خيراً منه بمراحل ودرجات قد عثر قبله ؟؟

هلا وقفت مع نفسك فذكرتك أو ذكرتها أنت،
أن هذا الذي عثر الآن محض بشر ضعيف،
وأن خير الأنام [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يقول {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} !!

هلا نظرت إلى عثرته نظرة حيادية،
فأدركت أن لعله كان متعباً أو مريضاً،
أو لعله واجه موقفاً صادماً فاضطر أن يعثر كي لا يكسر ساقه،
فوقع في الخطأ الهين بدل وقوعه في الخطأ الأكبر والأشد فظاعة ؟؟

هلا خفت -إذ تحدث الآخرين بعثراته- أن يكون عند الله تعالى خيراً منك ؟؟
لا بل لعلك أنت خير منه وبتتبعك لعثراته وفضحه أمام الناس بات في درجة أعلى،
وبالتالي بت أنت في الدرجة الأدنى،
أفلا يخيفك هذا بالفعل ؟؟

هلا سألت نفسك إذ يسبقك لسانك لفضح ما عثر به،
أنه من الممكن أن دمعة ندم بل دموع سالت من عينيه،
إذ يستغفر الغفور الرحيم أفأنت تتألى على الله تعالى بفضحه ؟؟

هلا سألت نفسك لم عثر وكيف عثر،
ثم وضعت نفسك في موضعه أفلن تعثر مثله،
وربما بطريقة أشد وأقسى مما عثر هو بها ؟؟

هلا سألت نفسك ما الذي تبغيه من فضح عثرته للناس،
والرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ينذرك {من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في عقر داره}،
أو أن أوامر الرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ونواهيه،
ليست تعني لك شيئاً أمام لذة الفضيحة وشهوة الانتقام ؟؟

هلا سألت نفسك إن كان المخطىء مطالباً أن يأتي ليشهر خطأه،
ويجهر به على رؤوس الأشهاد كي تتحقق سعادة البشرية ويعرفوه كلهم على حقيقته،
وكلمة الدين واضحة وصريحة {كل أمتي معافى إلا المجاهرون}،
والمجاهرون هؤلاء هم الذين يخطئون فيستر الله خطأهم فيحدثون به ويفضحون أنفسهم !!

أما خفت يوم يأتي وتكون موضعه،
أن يأتيك من يحمل عثرتك ليحدث بها الناس،
أو أن (كما تدين تدان) لن ينطبق عليك أنت وحدك في العالم ؟؟

ثم هلا سألت نفسك إن كان قد عثر حقاً،
أو أن ذلك هو ما بدا لك أنت في نظرك،
بينما هو لم يعثر أصلاً فازددت ظلماً له فوق ظلم،
بل ازددت ظلماً لنفسك فوق ظلمها !!

إلى الباحثين عن عثرات الآخرين والسائرين بها،
ليسببوا لهم الإهانات والآلام ممن يبدون صدمتهم بهم،
هؤلاء ليسوا بملائكة ولا أنتم كذلك،
وكما زلوا وأخطأوا وعثروا فسيأتي يومكم حتماً تزلوا وتخطؤوا وتعثروا،
فلا تسيروا في عثرات الناس وتذكروا،
أنه من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الآخرة،
وأن من فضح مؤمناً في الدنيا فضحه الله على رؤوس الأشهاد،

وتذكروا أخيراً أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب،
وسيركم في عثرات الآخرين ولو أنهم قد عثروا بالفعل بأشنع ما يمكن،
لهو من أسوأ وأشد أنواع الظلم التي يتعرضون لها بسببكم،
فلا تقفوا موقف من يدعو عليكم من تصل دعوته إلى الجبار دون حجاب فلستم أهلاً لهذا الموقف الرهيب،

إلى كل من يفتح لسانه على الآخرين بالسوء،
قف وقفة الحق وأعلنها توبة إلى الله تعالى،
وأقرنها بإعادة الحق إلى صاحبه لا بموقف ذل أمامه،
وإنما بإصلاحك غلطك وذكره بالحسنى لمن ذكرته لهم بالسوء،

فكلنا بشر خطاء،
وخير الخطائين التوابون،

وأخيراً لا تقف موقف التجهم أمام من يطرق بابك للاعتذار،
فليس هذا من أخلاق المسلمين بل هو خلق شيطاني بحت،
والرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يحذر من يفعل هذا الفعل،
أنه لن يرد على الحوض يوم القيامة،
ولست أظن أحداً منا يستغني عن الورود على حوض النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يوم ذاك،

موضوع ينطلق من العموم بادئاً به بنفسي،
معتذراً مستسمحاً من كل من أخطأت معهم في حياتي كلها، أو بدا لهم أني قد فعلت ذلك،
عاذراً مسامحاً كل من أخطأ معي أو غلب على ظني أنه قد فعل،

ومن هنا دعوتي إليكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات،
لتسامحوا كل من أخطأ معكم يوماً ولتستسمحوا من كل من أخطأتم معهم يوماً،

ولتدعو ربكم عز وجل أن تكونوا جميعاً ممن قال فيهم:
{ونزعنا ما في صدروهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي
هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق
ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}

نادانا الله وإياكم يوم القيامة بهذا النداء الرائع،
ولا حرمه الله لأحدكم وجعلنا ممن تجري من تحتهم الأنهار،
وجمعنا في الجنة مع نبيه المختار [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]،

حياكم الله تعالى إخوتي وأخواتي في الله،
مع دعواتي الصادقة لكم جميعاً،
إخوة أحبة وأخوات فاضلات بكل الخير والتوفيق،
بارك الله فيكم جميعاً وجزاكم كل الخير

بارك الله فيك أختنا

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

شكرا و بارك الله فيك .عمل ممتاز

شكرا لك على الموضوع المميز والجميل
بارك الله بك
تحياتي

أسعدني كثيرا مروركم وتعطيركم هذه الصفحه

» كيف تتعامل مع عثرات الحياة
» كيف تتميز عن الآخرين