الناس من جهة التمثال أكفــــــــــــــــــاء # أبوهم آدم والأم حـــــــــــــــــــــــــــــواء
فإن يكن لهم في أصلهم شـــــــــــــــرف # يــــــــــــفاخرون به فالطين والمـــــــاء
ما الفخر إلا لأهل العلم إنـــــــــــــهـــم # عـــــــــــــلى الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كــــل امرئ ما كان يحسنـــــــــــه # والجــــــاهلون لأهل العلم أعـــــــــداء
ففز بعلم تعش حــياً به أبـــــــــــــــــــــداً # الناس موتى وأهل العلم أحيـــــــــــــاء
أيها الأخوة الأعزاء:-
إن العلم حياة للقلوب ، ونور للبصائر ، وهو شفاء الصدور ، ورياض العقول ، ولذة الأرواح ، وأنس المستوحشين ، ودليل المتحيرين .
يقول معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه :
( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ،
وطلبه عبادة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلم
صدقة ، وبذله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام ، والأنيس في الوحشة ،
والصاحب في الخلوة ، والدليل على السراء والضراء ، والزين عند الأخلاء ،
والقرب عند الغرباء ، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخلق قادة يُقتَدى
بهم ، وأئمة في الخُلُق تقتص آثارهم ، وينتهى إلى رأيهم ، وترغب الملائكة
في حبهم ، بأجنحتها تحفهم ، لأن العلم حياة القلوب من العمى ، ونور الأبصار
من الظلمة ، وقوة الأبدان من الضعف ، يبلغ به العبد منازل الأحرار،
ومجالسة الملوك ، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة ، به يطاع الله عز وجل ،
و به يعبد ، و به تُوصل الأرحام ، و به يُعرف الحلال من الحرام ، إمام
العمل ، والعمل تابعه ، يلهمه السعداء ، ويحرمه الأشقياء ).
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمهـــــــــــــا # متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بهــــــــــا # وإن أبى عاد في أكتافها التـلف
وإن أمة ترضى بالجهل ، وتتقاعس عن العلم ،
وتنصرف عن العناية به وبأهله ، لخليقة بأن تدفع الثمن غالياً ، والضريبة
مضاعفة ، فلقد شهدت السنن الربانية ، وسطر التاريخ الإنساني ، ونطق الواقع ،
بأن للجهل آثاراً وخيمة على مستوى الفرد والمجتمع .
العلم مال المعدمين إذا هُــــــــــم # خرجوا إلى الدنيا بغير حطـــــام
وأخو الجهالة في الحياة كأنــــــه # ساع إلى حرب بغير حســــــــام
والجهل يخفض أمة ويذلهـــــــــا # والعلم يرفعها أجل مقـــــــــــــــام
أيها الأخ العزيز :-
لقد بين الحق سبحانه وتعالى فضل العلم وأهله ، فقال جل من قائل عليما ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر 28 ] وقال في مُحكم التنزيل ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) [ الزمر 9 ] وقال سبحانه(
يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [ المجادلة 11]
وحثنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم
على طلب العلم وتلقيه ، وبيّن أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد لعبده الخير
علمه الدين وفقهه فيه ، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) [1]
وقد بين لنا عليه الصلاة والسلام كذلك أن سبل دخول الجنة كثيرة وعديدة ، ومن بينها طلب العلم ، فعن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع
قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت
عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن
عنده ، ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه)[2]
وطالب العلم يعد مجاهداً في سبيل الله تعالى ، من لحظة خروجه حتى ساعة رجوعه ، فعن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خرج في طلب العلم ، كان في سبيل الله حتى يرجع )[3]
ولقد بين لنا صلى الله عليه وسلم أيضا ، أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، وأن العالم يستغفر له الكون أجمع ، رضاً بما يصنع ، فعن
أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ( من سلك طريقا يبتغي فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن
الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في
السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد
كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء
لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر
)[4]
أخي – يا رعاك الله – :
تأمل هذا التصوير البياني الرائع ، في فضل العلم والعمل به ، وذلك في الحديث الذي رواه
أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير ، أصاب
أرضا فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها
أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها
طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه
في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك
رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) [5]
أخوة الإيمان :
لقد كانت حال سلف الأمة في طلب العلم حالا عجيبة ، استثمروا فيه أوقاتهم ،
وأفنوا فيه أعمارهم ، فحصلوا منه ما يدعوا إلى الدهشة ، ويبهر الألباب ،
ويستنهض الهمم ، ويشحذ العزائم .
فهذا الإمام البخاري رحل إلى
كثير من البلدان ، وجاب كثيراً من الأقطار ، وسمع من أكثر من ألف شيخ ،
وكان يستيقظ من النوم ، فيوقد السراج ، ويكتب الفائدة تمر بخاطره ، ثم
ينام ثم ينتبه ، حتى إنه في بعض الليالي يعمل هذا عشرين مرة .
وقال أبو زرعة الرازي ( كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث "أي مليوناً " ، قيل له ما يدريك ؟ قال : ذاكرته وأخذت عليه الأبواب ) .
ونحن نتساءل :-
كم منا من يحفظ ألف حديث ؟
بل : -
كم منا من يحفظ الأربعين النووية حفظاً دقيقاً ؟