أفلا يتدبرون القرآن؟....
عن علي _
رضي الله عنه_ أن رسول الله _ صلى الله وعليه وسلم _ قال " ألا إنها ستكون
فتنة" فقلت : ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:"كتاب الله، فيه نبأ من
كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل وليس بالهزل، من تركه
من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله
المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به
الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة
الرد، ولا تنقضي عجائبه،هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا{إنا
سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به} الجن1-2. من قال به صدق، ومن
عمل به أجر ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم". رواه
الترمذي
هذا هو القرآن الكريم كما وصفه رسول الله_صلى الله وعليه وسلم_ وصف لو
اجتمع البلغاء ما أتوا على بعضه، وصف ممن أُنزل القرآن على قلبه فعاش به
وعاش معه.
بين لنا رسول الله_صلى الله وعليه وسلم_ سبيل الخروج من الفتنة حرصاُ منه على أمته من أن تفرق بها السبل أو تتلاعب بها الأهواء.
الفتنة....هي
اللغة الاختبار والابتلاء قال الله تعالى:-{ ونبلوكم بالشر والخير فتنة}
والفتنة والاضطراب وبلبلة الأفكار والعذاب والضلال وفتنة الصدر الوسواس.
إذا كانت هذه من معاني الفتنة فما أحرانا أن نكون واعين لمقدماتها
ولنتائجها. وقد تعرض الفتنة للإنسان في أمور لا تخالف الشرع فيدافعها
وتدافعه أو تعرض له في أمور لا تخالف الشرع، ولكنها تلهي وتغري وكان
الأجدر بالعاقل أن يجتنبها إيثارا للسلامة مما لا تحمد عقباه فقد كان
الصحابة رضوان الله عليهم يجتنبون تسعة أعشار الحلال خوفاً من الوقوع في
بعض الحرام.
وقد تنبه الإمام علي_ كرم الله وجهه_إلى ما في المستقبل من أهوال قد
يشهدها أو يشهدها من يأتي بعده فبادر بالسؤال مستفسراً " وما المخرج منها
يا رسول الله؟"
وجاءه الجواب الشافي الكافي مفصلا مبسوطا، إنه كتاب الله وقد لا يتسع
المقام لتنصيل ما ورد من أفكار في الحديث النبوي الشريف والذي يهمني ويهم
القارئ الكريم أن نعرف للقرآن الكريم حقه، وحرمته وآداب تلاوته ولنكون
جديرين بحمل أجمل وأكرم رسالة.
فهل خطر ببالك وأنت مع القرآن الكريم ما يجب أن تتحلى به، وما يجب أن تتخلى عنه، إنني أوجره لك في الآتي:
1-لا يمسه إلا المطهرون...لا يقرأ القرآن إلا طاهر حساً ومعنى، مع خشوع الجوارح، وصفاء الروح وتنزل السكينة.
2-التزين بأحسن الثياب...على قارئ القرآن أن يلبس أحسن ثيابه وأنظفها، وأن يستقبل القبلة فذلك أدعى للقبول.
3-عند التثاؤب...قد
يعرض للقارئ التثاؤب، فعليه والحالة هذه أن يمسك عن القراءة تعظيماً لشأن
القرآن وخوفا من أن تخرج من فيه كلمات أو أحرف حال التثاؤب فتخل بالمعنى،
وتخرج على غير وجهه بل ولا تمكن القارئ من الترتيل.
4-البدء...ابدأ
أخي القارئ قراءتك للقرآن بالاستعاذة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
واقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، إن كان ابتداؤك من أول السورة كفاك
الاستعاذة.
5-القراءة في الخلوة...إذا رغبت في الاستفادة مما تقرأ من القرآن فاقرأه على خلوة تكن رفيق ذلك
الرجل الذي ذكر الله في خلوة ففاضت عيناه، فإن هذه الحال أدعي إلى التفكير
والتأمل، وتدبر ما في القرآن الكريم من عبر وآيات وهي تبعد القارئ عن منظة
الرياء، أو التلهي بالداخلين والخارجين وقد تغيب المعاني عن القارئ إذا
انشغل بغير القراءة فيقع في دائرة التوبيخ والذم {أفلا يتدبرون القرآن أم
على قلوب أقفالها} سورة محمد 25، والتدبر هو ثمرة القراءة.
6-استشعار الخوف والرجاء...عليك أخي القارئ أن تقف على آية الوعيد فتشعر قلبك الخوف وتسأل الله
النجاة، وأن تقف على آية الوعد فترغب إلى الله تعالى وتسأله الحسنى وزيادة.
بعد الفراغ من القراءة.... إذا فرغ القارئ فعليه أن يصدق ربه وأن يشهد بالبلاغ لرسوله ويشهد أن يشهد
بالبلاغ لرسوله ويشهد أن القرآن حق، فيقول ((صدقت ربنا، وبلغ رسولك ونحن
على ذلك من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط)) ثم
يدعو بما شاء من الدعاء لنفسه وأهل بيته ولجميع المسلمين.
القرآن الكريم من أعظم ما خصت به أمة محمد- رسول الله صلى الله عليه
وسلم-: خص الله أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بما لم يخص به أمة قبلها
ولا بعدها والقرآن العظيم من النعم الكبرى التي خصت به هذه الأمة.
ذكر الإمام الطبري أن القرآن الكريم من أعظم ما خص الله به أمة محمد-صلى
الله وعليه وسلم- من الفضيلة، وشرفهم به سائر الأمم من المنازل الرفيعة،
وحباهم به من الكرامة السنية، فلو اجتمع إنسها وجنها وصغيرها وكبيرها على
أن يأتوا بسورة من مثله لما استطاعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، جعل الله
القرآن في دجى الظلم نورا ساطعا، وفي ظلمة الشبهة شهابا لامعا، وفي مظلة
المسالك دليلاً وهادياً.
وبعد: أيحق لنا أن نقول لأمتنا راجعي نفسك، واسأليها ماذا فعلت بكتاب
الله؟ هل هو الحكم أم حلت الدساتير الوضعية محله؟ أحفظت الأمانة أم ضيعت؟.
أقرآننا شاهد لنا أم علينا ؟ أرسولنا شاهد علينا أم علينا ؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لابد من الإجابة عنها بصدق قبل أن يشكونا
الرسول-صلى الله وعليه وسلم- لربه كما اشتكى لربه قريشاً قومه { وقال
الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} الفرقان -30.
لا إفراط ولا تفريط.....لن
تجد على وجه الأرض اليوم إنساناً سوياً محباً للخير داعياً إلى الله
بالحكمة والموعظة الحسنة سوى المسلم الذي خشع قلبه لذكر الله ولما نزل من
الحق ، إنه يحب الخير للناس كما يحبه لنفسه، ويدفع الشر عن الناس كما
يدفعه عن نفسه ، ولا يبالغ إلى حد الغلو ، ولا يتهاون إلى حد التفريط.
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً}. البقرة 143.
