التدين فطرة إنسانية

الحلقة الأولى :

الدين لغة :
الدين لغة له ثلاثة حالات :
1. أن يؤخذ من فعل متعد بنفسه : تقول دانه يدينه : بمعنى حاسبه وحاكمه وكافأه وملكه .
2. أن يؤخذ من فعل متعد باللام : تقول دان له : أي خضع له وأطاعه فالدين هنا بمعنى الخضوع والطاعة
3. أن يؤخذ من فعل متعد بالباء : تقول دان بالشيء : أي اتخذه دينا ومذهبا :
أي اعتقده أو اعتاد عليه أو تخلق به فالدين هنا المذهب أو الطريقة التي
يسير عليها المرء .

الدين اصطلاحا :
تعريف الدين على إطلاقه : مجموعة المعتقدات والمبادئ التي تدين بها تلك
الأمة أو الشعب ، وما يترتب على اعتناقها من قضايا علمية " شريعة " .
تعريف الدين الإسلامي :
هو جميع ما جاء به محمد r من قضايا نظرية وعملية .
وضع تعريف موحد للدين امر صعب :
.يقول جيمس فريز : إن صياغة تعريف واحد من شأنه إرضاء كل الآراء المتصارعة حول الدين هو أمر غير ممكن التحقيق ....
تعريفات الدين عند بعض علماء الغرب .
1. تعريف أميل دوركايم (عالم اجتماع وفيلسوف فرنسي " .
نظام متسق من المعتقدات والممارسات التي تدور حول موضوعات مقدسة يجري عزلها
عن الوسط الدنيوي وتحاط بشستى أنواع التحريم وهذه المعتقدات والممارسات
تجمع كل المؤمنين والعاملين بها في معنوية واحدة تدعى الكنيسة " .
2. وعرفه ماكس مللر : السعي إلى إدراك ما لا يدركه الإدراك والتعبير عنا لا
سبيل للتعبير عنه والجنوح إلى اللامتناهي وهو حب الله تعالى . "
3. وعرفه روبرت تايلور : بأنه الاعتقاد بعالم الأرواح أو الإيمان بكائنات روحية " .
4. وعرفه فريزر : استرضاء القوى التي يعتقد أنها تتعالى على الإنسان والتي يعتقد أنها تدبر مجرى الطبيعة وتوجه حياة البشر .
5. وعرفه سالون ريناك : بأنه مجموعة التورعات التي تقف حاجزا أمام الحرية
المطلقة لتصرفاتنا فوق البشرية التي يؤمن بها لأنه يشعر بأنه خاضع لها
وتظهر هذه العلاقة بأحاسيس خاضعة (الرجاء والخوف ) وبأفكار( معتقدات ) .
تعريف الدين عند علماء المسلمين :
اتفق علماء المسلمين في تعريفهم للدين وان اختلفت ألفاظهم في ذلك لأنهم
نظروا إلى مفهوم الدين من خلال الدين نفسه ولم يجعلوا للعقل أو للهوى مجالا
في تصورهم للدين ولم ينظروا له من منطلق شخصي . ولذلك جاء وضع قيد ( إلهي)
في معظم تعريفاتهم .
1. عرفه د/ محمد عبد الله دراز بأنه :
أ ـ الإيمان بذات إلهية جديرة بالطاعة والعبادة .
ب ـ أو الاعتقاد بوجود ذات أو ذوات غيبية علوية لها شعور واختيار ولها تصرف
وتدبير للشئون التي تعني الإنسان اعتقادا من شأنه أن يبعث على مناجاة تلك
الذات في رغبة ورهبة وفي خضوع وتمجيد .
2. وعرفه مسلمون آخرون بأنه :
أ ـ وضع إلهي يرشد إلى الحق في الاعتقادات والى الخير في السلوك والمعاملات " .
ب ـ أو هو وضع الهي يحسن الله تعالى به إلى البشر على لسان واحد منهم لا
كسب له فيه ولا صنع ولا يصل إليه بتلق ولا تعلم وإنما هو وحي وتعلم من الله
يلقيه إلى عبده .
ج ـ أو هو جملة التكاليف الشرعية والمعاملات المالية والسياسية والأخلاقية
التي يوحيها الله إلى رسول من رسله الذين يختارهم لتبليغ رسالته وتوصيل
تعاليمه وهدايته .
د ـ أو هو : الخضوع لله تعالى والتدلل لهو والإيمان بوحدانيته جل شأنه
والسجود له جل شأنه واختصاصه جل شأنه بهذا السجود فلا يسجد إلا لله ولا
يذبح إلا لله . ولا يدعو إلا إياه .

الفرق في مفهوم الدين بين علماء الغربيين وبين العلماء المسلمين :
1. الدين عند علماء المسلمين نابع من مفهوم الدين نفسه .
أما الدين عند علماء الغرب فهو خاضع لنظرة الشخص إلى ما يعتقد .
2. اتفق علماء المسلمين على إعطاء تعريف شامل للدين وإن اختلفت تعبيراتهم اللفظية أحيانا .
أما علماء الغرب فقد حاروا في إعطاء تعريف شامل للدين .
3. وفكرة الإلوهية عند علماء المسلمين واضحة ووضوحها جاء من خلال ما جاء به
القرآن والرسول r . فالإله عند المسلمين واضح وضوحا تاما بذاته وصفاته .
أما الغربيون فقد أبهموا فكرة الإلوهية لأنها تترك كثيرا من المعتقدات خارج
تعريف الدين فلم يهتموا بوضع تصور دقيق للإله بل جعلوه ضمن عالم الغيب
الخفي المقدس الذي شملته نظرتهم إليه .
4. تعريف علماء المسلمين للدين : أخرج كل ما عدا الدين السماوي الحق فأخرج
جميع الأديان الوضعية وسمى معتنقيها " أهل النحل " كما سمى معتنقي
الديانة الإلهية " أهل الملل " .
أما تعريف الغربيين للدين فأدخل الديانات الإلهية والديانات الوضعية في مفهومه .

الفرق بين الدين من جهة والعلم والأخلاق والفلسفة من جهة أخرى :
1) الفرق بين الدين والعلم :
لا تعارض بين العلم والدين لأن لكل منهما مجاله الذي يبحث فيه ، كما أن بينهما تعاون وثيق فالإسلام يحض على العلم ويأمر به .
ويظهر تفصيل ذلك في النقاط التالية :
1. لا تعارض بين الدين والعلم لأن لكل منهما موضوعه المختلف : فالعلوم كلها
تبحث في الكائنات. أما الدين فيبحث عن مبدئها الأول وغايتها القصوى .
2. العلم يصلح لمعرفة المادة ( الطبيعة ) لأنه يتناول الماديات والمحسوسات ، ولكنه لا يصلح لمعرفة ما وراء الطبيعة الميتافيزيقيا.
3. العلم لا يستطيع تفسير الأسئلة الأولى : كالعلة الأولى للخلق ومن الذي
بعث الحياة في الخلية الأولى ..الخ ، لكن الدين أجاب عن كل هذه التساؤلات .
4. إن العلم ليس خصما للإيمان ولا ضدا له بل هو يهدي إليه : بل لقد اسلم
كثير من العلماء نتيجة أبحاثهم التي وجدوا أنها متفقة مع القرآن وإشاراته
العلمية .
5. وهكذا فلا تعارض بين العلم والدين لأن لكل مجاله ولكن تطبيق العلم وحده
بعيدا عن الدين يعرض البشرية للويلات والمشاكل لأن العلم سلاح ذو حدين ينفع
للخير وللشر والدين هو الرقيب على العلم والذي يصرفه دائما نحو الخير .
6. وإذا تعاون الدين والعلم فإن الشخصية الإنسانية تكتمل وتحقق النفس
البشرية الاطمئنان في جانبيها الروحي والمادي ومثال ذلك الحضارة الإسلامية
والتي وازن فيها بين متطلبات الروح والجسد والعقل فعاش الناس في أرغد عيش
وأهنأ وأسعد حياة وأرقاها .
7. ثم إن الدين الإسلامي حث على طلب العلم في شتى مجالاته . أما ما يطلقه
العلمانيون والملحدون أن الدين يدعو إلى الجهل فهذا ينطبق فقط على الكنيسة
التي حاربت الدين ومن هنا جاءت الثورة على الكنيسة التي تقول : " دع ما
لقيصر لقيصر وما لله لله " لكن هذا لا ينطبق على العالم الإسلامي الذي دعا
فيه الإسلام إلى العلم وأمر به .

الفرق بين الدين والاخلاق :
علم الأخلاق :
هو العلم الذي يضع قواعد السلوك الإنساني السوي والسليم ويقوم بالحكم عليها بالخير أو الشر ويقوم بتوجيه الأخلاق .

وظيفة علم الأخلاق :
هو وضع المثل العليا للسلوك الإنساني وإيجاد مقياس للحكم العقلي حيث يمكن
الإنسان التمييز بين الخير والشر ولا يدخل في بحثه إلا السلوك الذي يصدر عن
الأحياء بمحض إرادتهم فيتناول أفعالهم الإدارية من حيث هم بشر سلوك إلى
فعل الخير .

كل شعوب الأرض والديانات كان لها أخلاق تنظم حياتها وتحكم علاقاتهم بعضها
ببعض نرى ذلك عند قدماء لمصريين وفي الديانة البوذية والزرادشتية وعند
الإغريق ..الخ
واما الدين الالهي فدعى الى مكارم الاخلاق واسس قواعدها وضبط مقايييسها
الكلية ووضع الامثلة لكثير من جزئيات السلوك فالدين يغذي الاخلاق وينميها
وينعشها

الفرق بين الدين والفلسفة :
الفلسفة : كلمة يونانية معناها : محبة الحكمة . وهي تطلق على العلم بحقائق الأشياء وكنهها .
لكن ما الفرق بين الفلسفة والدين :

هنالك عدة فروق بينهما نوجزها فيما يلي :
1. الموضوع : تشترك الفلسفة مع الدين : في كثير من الموضوعات مثل : أصل
الإنسان ، وتنفرد الفلسفة ببعض الموضوعات مثل : موضوع المعرفة ، وكيفية
تحصيلها ، والنظر العقلي ،ويستقل الدين ببعض الموضوعات العلمية مثل :
الشعائر ، والعبادات ، والمعارف النقلية كالعلم بالذات الإلهية واليوم
الآخر .
2. المنهج : تعتمد الفلسفة التحليل العقلي ، والنظر العلمي الفاحص أما الدين فيعتمد على الإيمان المسبق بموضوعاته
3. الأسلوب : تتخذ الفلسفة جانب الحذر والشك : أما الدين فيبدأ بالتسليم
بمسلمات عقائدية وحقائق إيمانية مصدرها الوحي ولا سبيل للشك فيها . مما
يطمئن الإنسان ويقيه من الصراعات النفسية .
4. الهدف : الهدف الرئيس للفلسفة : هو المعرفة والنظر العقلي البحث .أما الدين فيوجه الفرد الى النظر في الكون الظاهر .
5. النتيجة : لا يتفقان في النتائج فالمذاهب الفلسفية اختلفت فيما بينها في
إعطاء الحلول للمسائل التي تناولتها اما الدين فأجاب عن هذه الأسئلة إجابة
واضحة لا لبس فيها ولا التواء . .

المقارنة بين الدين والفلسفة من حيث أسلوب البحث وأثر ذلك على الفرد من الناحية النفسية :
تتخذ الفلسفة جانب الحذر والشك تجاه أي فكرة مهما كانت بدهية ، ويتجنب
الفيلسوف التسليم بصدق أي مسلمة إلا بعد الفحص والتمحيص مستعملا الاتساق
الذاتي بين المقدمات والنتائج حتى لو لم تتطابق مع الواقع للتيقن من صدق
النتائج .
أما الدين فيبدأ بالتسليم بمسلمات عقائدية وحقائق ايمانية مصدرها الوحي ولا سبيل للشك فيها .

أثر ذلك الاختلاف على الفرد من الناحية النفسية :
إن التسليم بهذه اليقينيات يؤدي إلى الطمأنينة النفسية فنجد أن الأعرابي
لما هدته فطرته إلى الخالق بأيسر السبل استراح واطمأن ليسير عقله في البحث
عن أمور في متناول هذا العقل تفيده والآخرين.
وهذا لا يعني الدعوة لإبطال عمل العقل بل دعوة لإشغال العقل بما يفيد
المجتمع والأمة فيما هو نافع ومفيد لا فيما هو محير ومقلق وغير مفيد .

الدين والفطرة :
الفطرة لغة : والفطرة : هي الخلقة أي ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به .
الفطرة اصطلاحا :
فسرها ابن عطية : بأن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق .
وفسرها ابن الأثير : بأن الإنسان يولد على الجبلة والطبع المهيئ لقبول
الدين فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها .
وقيل : أن كل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن له صانعا وإن سماه بغير اسمه .

والفطرة نوعان :
أ ـ فطرة المولود : فإذا ولد الولد لأبوين يهوديين هواده في حكم الدينا
...........وكان حكمه حكم أبويه حتى يعبر عنه بلسانه فإن مات قبل بلوغه مات
على ما سبق له من الفطرة التي فطر عليه فهذه فطرة المولود. ( إي إذا مات
ولد يهودي ولم يقر بلسانه مات على فطرة الله ) .
ب ـ فطرة الدين : وأما الكلمة التي يصير بها العبد مسلما وهي الشهادتان فتلك الفطرة للدين . ( فطرة الدين أن يقر بالشهادتين ) .

نزعة التدين وأصالتها :
1. إن نزعة التدين نزعة فطرية بل هي جزء من كيان الإنسان ووجوده . ومن الباحثين من سماها غريزة دينية
2. هذه الفطرة تدفع صاحبها إلى معرفة خالقه وعبادته .
3. وهي نزعة أصيلة مشتركة بين عامة الناس ولا تخلو منها أمة أو شعب على وجه الأرض حتى الشعوب البدائية
4. وفكرة التدين ليست من اختراع أحد بل هي أقدم من كل حضارة مادية .
5. ومن المستحيل أن تتلاشى فكرة الدين لأنها أرقى ميول النفس وأكرم عواطفها .
6. وأما الانحراف عن التدين والتخلي عنه فهو انحراف عن الفطرة وشذوذ في التصرف والتفكير .
7. وإذا ابتعد الإنسان عن التدين تزداد مصائبه ومحنه ويصاب بالهبوط والصراع
النفسي فيفقد معها طعم الحياة وتهبط قيمة الحياة في المجتمعات حتى أصبح
العقلاء ينددون بالكفر والإلحاد إلى الدين والإيمان .
8. والتدين يشبع نهم العقل إلى المعرفة الحقه وكذلك العواطف الإنسانية
النبيلة لا تجد ضالتها إلا في التدين.

والتدين ضروري لتكميل قوة الإرادة في الإنسان وبذلك نستطيع أن نقول بأن
الإنسان متدين بطبعه بل هو حيوان متدين بطبعه .


الشيخ / جواد درويش[/center]

[center]التدين فطرة إنسانية

بارك الله فيك[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

شكرااااااااااااااااااااا
بارك الله فيك

شكرا على المرور الجميل