عندما نسمع إحدى الأمهات تقول ببساطة:
ـ ابنتي متعلقة جداً بأبيها، لا أدري لماذا؟
أو نسمع أحد الآباء يقول بدهشة:
ـ هذا الطفل لا يستطيع ترك أمه لحظة واحدة!
فإننا قد لا ننتبه إلى أبعاد مثل هذه الأوضاع أو الحالات، وقد يراها البعض عادية أو مرحلة لا بد أن تنتهي.
غير أن الخبراء يؤكدون أن وراء تعلق أحد الأطفال بأحد والديه أسباب مهمة ينبغي أن نعرفها لنتفادى مشكلة قد تتطور وتصبح خطيرة.
لماذا يتعلق أحد الأطفال بأحد والديه؟، الجواب الأول الذي سمعناه يقول إن السبب هو الطريقة الخاطئة التي يتبعها أحد الوالدين في التعامل مع أطفاله، مما يجعل احدهم ينفر أو يتهرب.
* تفسر سناء عبد الله (10 سنوات)، سر تعلقها بوالدتها ونفورها من أبيها، قائلة: والدي عصبي جداً لا يحتمل تصرفاتي ويعاقبني كلما أخطأت ويمنعني من الجلوس معهما على الطعام، وايضا يصطحب اخوتي الأولاد معه دائما لخارج البيت، أما أمي فلا تضربني وتسمح لي باللعب وتأخذني معها أينما تذهب.
أبي يدافع عني!
* ويصف ماجد كريم (12 سنة)، شعوره بالسعادة أثناء وجود والده بالبيت، وعندما يكون بالعمل فإنه ينتظر عودته بشدة كما يفرح كثيراً عندما يلعب معه والده كرة القدم. وعن علاقته بأمه يقول ماجد: أمي تصفني بالمهمل والثرثار، كما تصبح عصبية عند تدريسي فتضربني مما يجعلني اتظاهر أمامها بفهمي للدرس حتى أتحاشى ضربها، وإذا شكتني لأبي فإنه يضحك على كلامها، ويؤكد لها انني ما زلت صغيراً بحاجة إلى الرعاية والحنان.
قسوة والدتي
* أما رحاب صادق (13 سنة)، فتعتبر ان قسوة والدتها جعلتها تتقرب من والدها وتشكو له مشاكلها مما زاد من عمق الصداقة بينهما وتقول: استطيع ان اتحدث مع أبي في كل الأوقات وأشرح مشاكلي في الدراسة وهو يساعدني على حل معظمها، في حين ان أمي تقسو عليّ كثيرا، خاصة عندما يكون أبي خارج البيت، كما تفضل أخي الصغير ولا تسمح لي بالذهاب إلى صديقاتي أو مرافقتهن معلّلة ذلك بأنني فتاة وتخاف علي.
أمي صديقتي
* ويبين حمد إبراهيم (13 سنة)، ان انشغال والده في أعماله طوال اليوم جعله عصبيا معه عندما يعود إلى البيت، فلا يكلمه أو يستمع إليه، كما يغضب منه عندما يلعب، بينما يقول عن أمه: إنها تجلس معي دائما حتى إن كانت مرهقة بعد عودتها من العمل، وهي تساعدني على تحضير واجباتي الدراسية وتسهر على راحتي عندما أمرض ولا تسمح لإخوتي الكبار بضربي، فأنا أحبها وأجلس دائما بجوارها وأشعر تجاهها بكثير من المشاعر التي افتقدها مع والدي.
ساعدت ابني ليتقرب من أبيه
* وتؤكد هدى العمر، التي تفهمت المرحلة العمرية التي يمر بها ابنها، فحاولت التعامل معه بعمق تفادياً لأي مشاكل نفسية أعمق مستقبلاً، وتقول: ابني يبلغ من العمر (13 سنة)، أناقش معه كل مشاكله حتى أخطاءه، وأحاول أن أناقشه فيها حتى لا يكررها. وعندما شعرت بوجود حاجز بينه وبين والده، قررت كسره بإقامة جلسات عائلية ومناقشة مشاكله بوجود أبيه، مما أدى إلى تفاهمهما. وقد انعكس ذلك على شخصية ابني، فأصبح أكثر ثقة بنفسه وبمن حوله.
هناك حاجز بيننا
ومن ناحية أخرى، يعلل إبراهيم خالد ان سر تعلق ولده (13 سنة) بوالدته، طريقتها السلبية في علاج مشاكل الأولاد الذي يقتصر على اللين وحده في التعامل، ويضيف قائلا: زوجتي لا تطلعني على مشاكل ابننا وتخفي عني الكثير من أخطائه، وتعطيه من المال ما يريد، على الرغم من السن الحرجة التي يمر بها، مما اوجد خلافا بيننا حول طريقة تربيته.
ويعترف ابراهيم قائلا: ربما كنت قاسياً معه، كما ان تعلقه بوالدته اشعرني بالاضطراب، فقررت استخدام طريقة متوازنة في التعامل معه، مما جعله يعود إليّ ويستمع لنصيحتي.
أسباب التعلق
يوضح الدكتور عبد الوهاب رسلان، اختصاصي الطب النفسي، ان تعلق الطفل بوالدته منذ الصغر أمر غريزي وطبيعي، حيث يجذب انتباهه إلى أمه بالفطرة، خاصة في فترة الرضاعة، لأنه يركز كل انتباهه على وجه أمه وصوتها وكل حركاتها وسكناتها.
ويضيف الدكتور رسلان: هذه التجربة العاطفية الحسية التي يمر بها الرضيع في حياته، تترك البصمات الحسية والعاطفية في وجدان الطفل حتى يكبر ويصبح رجلاً يافعاً.
كما يبين ان أسباب تعلق الطفل بأحد الوالدين تبدأ بعد حمل الأم لطفل جديد، فيشعر الطفل الأول بوجود منافس له فيعلن عدم استجابته للقادم الجديد، ويبدأ شعوره بالغيرة الشديدة نحو أخيه القادم أو أخته، وقد تظهر منه تصرفات عدوانية تجاه المولود القادم، وهو لا يدري بما يقوم به من أفعال.
ولأن الأب يهتم بالطفل في هذه المرحلة، ويقوم باحتضانه والاهتمام به، فإن الطفل يزداد تعلقاً به.
ويضيف الدكتور رسلان: في حال تعلق الطفل بأحد والديه، فإنه يكون سعيداً مصراً على البقاء قربه، ولا يتركه حتى ينام معه في الفراش ولا يقبل الطعام إلا منه.
نصيحة
يؤكد الدكتور رسلان على ضرورة ان يعمل الوالدان معا على إيجاد نوع من التوازن العاطفي عند طفلهما لكي تمر هذه المرحلة بيسر وسهولة ليصبح الطفل سوياً يعيش طفولة طبيعية استعداداً لمواجهة مرحلة المراهقة بما فيها من صعوبات وتغيرات جسمانية ونفسية.
أسباب تربوية
تلخص حصة السويلم اختصاصية تربوية في رياض جامعة الملك سعود الأسباب التربوية لتعلق الطفل بأحد والديه بما يلي:
1 ـ وضوح دور وفعالية أحد الوالدين بصورة أكبر في حياة الطفل عن الآخر.
2 ـ ابتعاد أحد الوالدين وغالباً ما يكون الأب لمشاغل العمل.
3 ـ الاختلاف في التربية بين الوالدين وأساليب التعامل مع الطفل.
4 ـ القسوة والشدة في التربية من أحد الوالدين.
5 ـ غياب أحد الوالدين في تنظيم حياة الطفل وتلبية احتياجاته والخروج معه لأداء أنشطة ممتعة له.
همسة للوالدين
تؤكد حصة السويلم، ضرورة اتباع الوالدين بعض الأمور لتجنب تعلق طفلهما بأحدهما والنفور من الآخر وأهمها:
* الاتفاق في أسلوب التعامل والتربية مع الأبناء.
* الوجود بصورة فعالة في حياة الطفل لأن لكل من الوالدين دوراً مهماً في تنشئة الطفل.
* الجلسة العائلية والحوار والنقاش الجماعي في أمور تخص الأسرة ليشعر الطفل أن له دوراً في حياة الأسرة ويحس بالأهمية مما يؤدي إلى المحبة والألفة من دون التعلق أو النفور من أحدهما.
منقول
